الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه والتابعين
وبعد ، فمن نعم الله علينا أن أرسل إلينا هذا الرسول الكريم الذي هدانا به بعد الضلال وعلمنا به بعد الجهالة وأخرجنا به من الظلمات إلى النور وأحيانا به بعد الممات ، قال تعالى : " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " فالحمد لله على نعمه العظيمة وآلائه الكبيرة .
ثم إن الله عز وجل قد بين كرم هذا الرسول عنده ومنزلته وفضله في غير ما آية من كتابه سبحانه وتعالى ومن ذلك قوله عز من قائل : " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا ً "
" يا أيها النبي "
من كرمه عليه ناداه بذلك كما ناداه في آيات أخرى بقوله : " يا أيها الرسول .." ، " يا أيها المزمل .. " ، " يا أيها المدثر .. " وهذا مما يدل على أفضليته عند ربه إذ إنه سبحانه قد نادى الأنبياء السابقين بأسمائهم " .. أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا .. " ، " قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي .. " ، " إذ قال الله يا عيسى ابن مريم .. " ، " ... يا نوح اهبط بسلام منا ... " .. إلخ الآيات . أما هو صلى الله عليه وسلم فقد ناداه بما تقدم .
ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه .. إلخ ما قال .
" إنا أرسلناك شاهداً "
أي شاهداً على أمتك بما عملوه من خير وشر يأتي يوم القيامة يشهد أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانه ، يشهد للمؤمنين بأنهم أطاعوه واتبعوا ما جاء به ويشهد على المخالفين بأنهم قد عصوه وخالفوا أمره كما قال تعالى : " .. لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً "
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصادق المصدوق وهو شاهد عدل وحق وأي شهادة كشهادته ، فيا سعادة ويا فرح من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم ويا خيبة ويا خسران من شهد عليه النبي صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى : " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً "
" ومبشراً ونذيراً "
مبشراً للمؤمنين الذين آمنوا به واتبعوه وعملوا بما جاء به ولم يخالفوه يبشرهم في هذه الحياة الدنيا أنهم يحيون حياة طيبة ينعمون فيها بفعل الطاعات واجتناب المحرمات وأن لهم في الآخرة ما أعده الله لهم من الثواب العظيم والنعيم المقيم .
ومخوفاً ومحذراً للمجرمين والمخالفين والمشركين الذين خالفوا أمره وعصوه ولم يتبعوه يخوفهم بأن لهم في الدنيا معيشة ضنكاً وأن لهم في الآخرة عند الله العذاب الأليم والشقاء العظيم .
وهذا الوصف قد وصف به النبي صلى الله علبيه وسلم في التوراة المنزلة من عند الله عز وجل فقد ثبت عن عطاء بن يسار رحمه الله تعالى أنه قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . قال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله . ويفتح به أعيناً عمياً و آذاناً صماً وقلوباً غلفاً " أخرجه البخاري
" وداعياً إلى الله بإذنه "
فهو صلى الله عليه وسلم قد أمره الله عز وجل بالدعوة إليه وأذن له في ذلك كما قال تعالى : " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني .. "
وأمرنا الله عز وجل بالاستجابة لدعوته إذ في ذلك صلاحنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة وفي اتباع أمره نحيا الحياة الطيبة التامة الكاملة قال الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون " فمن اتبع دعوته فهو من الناجين ومن أعرض فهو من الهالكين .
وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة خير قيام رغم ما لاقى وما كان يعانيه صلى الله عليه وسلم من إيذاء وتكذيب وقد ثبت عن جابر رضي الله عنه أنه قال : " جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان . فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلاً قال : فاضربوا له مثلاً . فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان . فقالوا : مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة . فقالوا : أولوها له يفقهها فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان فقالوا : فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ومن عصى محمداً فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس ."
" وسراجاً منيراً "
فهو صلى الله عليه وسلم أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور وهداهنا به بعد الضلالة فما كنا نعرف لله أمراً ولا حكماً ولا نعلم ما ينبغي علينا فعله لنطيع ربنا عز وجل حتى أرسله الله إلينا هادياً ومعلماً فصلوات الله وسلامه عليه . قال الله تعالى : " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم "
فهو سراج منير يهدي الناس ـ بإذن الله ـ من حيرتهم وضلالهم ويخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلال إلى نور الإيمان والطاعة واليقين . ليس المقصود أنه نور حسي أو أنه مخلوق من نور صلوات الله وسلامه عليه كما يقول جهلة المتصوفة . قال الله عز وجل : " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد .. "
فاللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبرهيم إنك حميد مجيد .