سلام عليكم ورحمت الله
كرم النبي صلى الله عليه وسلم
فضيلة الشيخ العلامه أ.د. ناصر العمر حفظه الله
كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الناس إيماناً وأجودهم بالخير وأقربهم معروفاً وأوسعهم بذلاً، بل إن بذل الخير للآخرين وحسن المعاملة للناس كانت صفة لازمة له في سائر أيام حياته، ولما عاد من غار حراء يرتجف فؤاده عند أول لقاء له بجبريل الأمين قالت خديجة رضي الله عنها: "كلا والله ما يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"(1).
لقد كانت تلك هي الصفات التي أهَّلت النبي صلى الله عليه وسلم للمكانة السامية التي كان يتبوأها عند قومه، وكانت تلك الصفات هي الصفات التي علقت خديجة رضي الله عنها النصرة وترك الخذلان من الملك الديان، وهي صفات كلها إحسان للخلق وحسن معاملة لهم، ولم تقل خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم لقد كنت في عبادة وذكر وتهجد ولن يخزيك الله تعالى لعبادتك وتقربك منه، ولكنها ذكرت له وجوهاً من حسن المعاملة للخلق، ثم استنتجت من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لن يخزى وقد تحلى بتلك الصفات الفاضلة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة"(2)، وعن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس"(3) وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر عن أنس: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنما بين جبلين فأتى قومه فقال أي قوم، أسلموا فوالله إن محمداً ليعطي عطاء من لا يخاف الفاقة، وإن كان الرجل ليجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه أو أعز عليه من الدنيا بما فيها"(4).
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بقول القائل:
تراه -إذا ما جئته- متهللاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
تَعَوَّد بسطَ الكف حتى لَوَ انه
أراد انقباضاً لم تطعه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير نفسه
لجاد بها فليتق الله سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلُجَّتُه المعروف والجود ساحله
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً فقلت والله يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحق به منهم، قال: "إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش أو يبَخِّلوني فلست بباخل"(5).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة، فقال سهلٌ للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها، فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها فقال: "نعم". فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجاً إليها ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل شيئاً فيمنعه! فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها(6).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على بلال فوجد عنده صبراً من تمر فقال: "ما هذا يا بلال؟" فقال: تمر أدخره قال: "ويحك يا بلال! أوَما تخاف أن يكون له بخار في النار؟ أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً"(7).
وقال جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه بينا هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقبلاً من حنين علقت رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاة نعماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً"(
، فهذا نبيكم صلى الله عليه وسلم فهل من متابع؟