السلام عليكم معشر الكرام
تمهيد بين يدي الكارثة
قبل أن تبزغ شمس الرسالة .. كان أهل الجاهلية يتخبطون في غياهب الكفر ومواطن الانحلال .. يسجدون للأصنام وينكحون المحارم ويعبون من الخمر عبا ..
ثم جاء الإسلام فسمى حتى جاوز السما .. لقد طهر الإسلام أتباعه من هذا كله .. فقد أوردهم نهر التوحيد العذب ونعم الورد المورود فاغتسلوا فيه وتطهروا من نجس الوثنية فابيضت قلوبهم وسمت أرواحهم ..
ثم إن الإسلام حفظ الأعراض وجرم الزناة وعجل لهم العقوبة في الدنيا قبل الآخرة حفظا لطهارة الأمة ولئلا تختلط أنسابها ..
ثم إن الإسلام حرم الخمر والخبائث كلها .. وأحل الطيبات والمنافع لأن الخبائث مهلكة للبدن مضيعة للمال مفسدة للقلب وكل هذه المساوئ يأباها الإسلام
أيها الفضلاء..
إنه القاتل البطيء .. خبيث من الخبائث فتن به فئام من الناس فأوردهم السوء وبئس الورد المورود .. معصية لله وتبذير للمال وتهلكة للبدن .. ومع هذا كله فالمفتونون به كثر .. إنه الدخان بوابة الانحراف وموطن الزلل...
إنني أتحدث إليكم من بلد التوحيد وقبلة المسلمين والإحصائيات أمامي مخيفة والأرقام مذهلة ولولا ورودها من لجان مختصة لكذبتها وظنتها من ضروب المبالغة .. ولكنها الحقيقة والأرقام ولغة الأرقام فصحى :
(( يبدد المدخنون في السعودية حوالي 40 مليون ريال يوميا ينفثونها مع دخان سجائرهم المتطاير في الهواء كالهباء ..
ما يعني أن هؤلاء يدفعون قرابة 14 مليار و600 مليون سنويا في سبيل إيذاء أنفسهم والمحيطين بهم ..
هذه الإحصائية المرعبة هي آخر ما تكشفت عنها معلومات صدرت عن جمعية مكافحة التدخين في الرياض التي أكدت أن البعض بات يشتكي بشكل واضح من غلاء بعض السلع الضرورية لكنه لا يهتم أبدا بما ينفقه على مواد غير ضرورية وربما قاتلة وعلى رأسها التبغ ..
وأكدت الجمعية أن 4 ملايين شخص يتوفون سنويا في العالم جراء التدخين وأن هناك حوالي 6 ملايين مدخن في المملكة وحدها ما يستدعي التعاضد بين مختلف الجهات لحظر التدخين في الأماكن العامة .. إلى آخر التقرير المخيف .. ))*
6 ملايين مدخن في المملكة وحدها !!
يا ليت شعري هل تفكر هؤلاء في المنزلق الذي ارتكسوا فيه قبل أن يشعلوا سجائرهم ..
إنني أتحدث بهمسة أخوية لكل من ابتلي بالتدخين أو ابتلي أحد القريبين منه بهذا الداء فأقول ..
أيها الأخ المدخن .. إني لأعلم أنك تحمل قلبا يفيض بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام .. إني لأعلم أنك تحافظ على صلاتك وتبر والديك ولكن نفسك ضعفت أمام هذا الداء فأسلمت للشيطان الزمام فأضاع من دينك ما أضاع وعبث بمالك وأفسد صحتك ..
أيها الأخ المبارك أرعني سمعك يا رعاك الله .. إن الدخان محرم شرعا وعلى هذا أجمع العلماء لأنه من الخبائث والله عز وجل يقول
( ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث )
فهل يطيب لك أن تجاهر الله بما حرم عليك .. ألا تخشى عقابه .. وهو الذي من عليك بنعم عظيمة حرم منها غيرك ! أعيذك بالله من مخالفة أمره فالله يقول :
( فليحذر الذين يخالون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )
ثم إن التدخين يا عزيزي المبتلى ضار بصحتك بإجماع أطباء الأرض بل حتى من صنعه يخبرك بذلك ألا ترى التحذير منه في كل دعاية له .. ولا إخالك مفرطا في صحتك فنفسك أمانة بين جنبيك ووديعة استودعك الله إياها .. والله عز وجل يقول (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ))
فهل تراك بعد هذا كله تقلع أم سترضخ أمام هذا الداء لينهش من صحتك ما أراد حتى إذا ما أقعدك المرض – حماك الله - قلت ياليت وياليت وندمت ولات ساعة مندم ..
ثم إن التدخين يا رعاك الله .. تبذير للمال والمال مال الله قبل أن يكون مالك .. وفي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( َلا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ )) قَالَ الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
فهل تجده جوابا منجيا أمام الله إذا ما سألك عن مالك فيم أنفقته فقلت اشتريت به السموم التي قتلتني أو كادت أن تقتلني .! سل نفسك كم تنفق على هذا الداء .. وهل يستحق منك هذا البذل .. ما ذا قدمت له وفي المقابل ما ذا قدم لك !! إنك تبنيه ثم هو يهدمك !
أيها الأخ المبارك .. ألا ترى أن الدخان يبعدك عن مجالسة الصالحين وأهل الدين وحضور حلق الذكر والدروس العلمية والمحاضرات الإيمانية لأن الشيطان سيوسوس لك أن مثلك لا يجالس هؤلاء فأنت مدمن دخان وهؤلاء قوم صالحون .. فيبعدك عنهم ..
والإنسان بطبعه وجبلته يأنس بمن حوله لذا سوف تبحث عمن تجالسهم ولن تجد بعد الحق إلا الضلال فتنتظم في مجالس لا يذكر الله فيها إلا قليلا .. وكثيرا ما تزل قدم المدخن لتصل به إلى هاوية المخدرات والمسكرات والله عز وجل يقول (( يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ))
عزيزي المبتلى .. والله وتالله إن فيك الذي ينطق بشهادة التوحيد أشرف وأجل من أن يلج الخبث إليه ..
أيها الأخ المبارك لا تقل لا أستطيع !
إنما هي عزيمة صادقة وقوة وإيمان لتتجاوز الهزيمة وتنجو بدينك ونفسك ومالك من هذا المسلك الوخيم .. وعندها ستنعم بنعيم الدنيا قبل الآخرة .. ولا إخالك إلا أهلا للعزيمة الصادقة .. جعلك الله مباركا أينما كنت وغفر لي ولك .
* تقرير اللجنة أوردته مجلة شباب في عددها 103 لشهر جمادى الآخرة 1428 هـ